الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (20): {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)}{وَجَاء رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى المدينة يسعى} الآية، واسمه قيل: شمعان، وقيل: شمعون بن إسحق، وقيل: حزقيل، وقيل: غير ذلك وكون هذا الرجل الجائي مؤمن آل فرعون هو المشهور، وقيل: هو غيره، ويسعى عنى يسرع في المشي وإنما أسرع لبعد محله ومزيد اهتمامه بأخبار موسى عليه السلام ونصحه، وقيل: يسعى عنى يقصد وجه الله تعالى كما في قوله سبحانه: {وسعى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19] وهو وإن كان مجازًا يجوز الحمل عليه لشهرته.والظاهر أن {مِنْ أَقْصَى} صلة {جَاء} وجملة {يسعى} صفة {رَجُلٌ}، وجوز أن يكون {مِنْ أَقْصَى} في موضع الصفة لرجل، وجملة يسعى صفة بعد صفة.وجوز أن تكون الجملة في موضع الحال من رجل، أما إذا جعل الجار والمجرور في موضع الصفة منه فظاهر لأنه وإن كان نكرة ملحق بالمعارف فيسوغ أن يكون ذا حال، وأما إذا كان متعلقًا بجاء فمن ذلك الجمهور وأجازه سيبويه، وجوز أن يعلق الجار والمجرور بيسعى وهو كما ترى {قَالَ ياموسى إِنَّ الملا} وهم وجوه أهل دولة فرعون {يَأْتَمِرُونَ بِكَ} أي يتشاورن بسببك وإنما سمي التشاور ائتمارًا لأن كلا من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر {لِيَقْتُلُوكَ فاخرج} من المدينة قبل أن يظفروا بك {إِنّى لَكَ مِنَ الناصحين} اللام للبيان كما في سقيًا لك فيتعلق حذوف أعني أعني ولم يجوز الجمهور تعلقه بالناصحين لأن أل فيه اسم موصول ومعمول الصلة لا يتقدم الموصول ولا حذوف مقدم يفسره المذكور لأن ما لا يعمل لا يفسر عاملًا وعند من جوز تقدم معمول الصلة إذا كان الموصول أل خاصة لكونهاعلى صورة الحرف، أو إذا كان المتقدم ظرفًا للتوسع فيه، أو قال إن أل هنا حرف تعريف لإرادة الثبوت تجوز أن يكون لك متعلقًا بالناصحين أو حذوف يفسره ذلك.واستدل القرطبي وغيره بالآية على جواز النميمة لمصلحة دينية..تفسير الآية رقم (21): {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)}{فَخَرَجَ مِنْهَا} أي من المدينة ممتثلًا {خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} لحوق الطالبين {قَالَ رَبّ نَجّنِى مِنَ القوم الظالمين}..تفسير الآية رقم (22): {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)}{وَلَمَّا تَوَجَّهَ} أي صرف وجهه {تِلْقَاء مَدْيَنَ} أي ما يقابل جانبها، وتلقاء في الأصل مصدر انتصب على الظرفية. ومدين قرية شعيب سميت باسم مدين بن إبراهيم عليه السلام لوم يكن في سلطان فرعون ولذا توجه لقريته، وقيل توجه إليها لمعرفته به، وقيل لقرابته منه عليهما السلام، وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمان.{قَالَ عسى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء السبيل} أي وسط الطريق المؤدّى إلى النجاة، وإنما قال عليه السلام ذلك توكلا على الله تعالى وثقة بحسن توفيقه عز وجل، وكان عليه السلام لا يعرف الطرق فعن ثلاث طرائق فأخذ في الوسطى وأخذ طالبوه في الأخريين وقالوا: المريب لا يأخذ في أعظم الطرق ولا يسلك إلا لأبنياتها فبقي ثماني ليال وهو حاف لا يطعم إلا ورق الشجر. وعن سعيد بن جبير أنه عليه السلام لم يصل حتى سقط خف قدميه. وروي أنه عليه السلام أخذ يمشي من غير معرفة فهداه جبريل عليه السلام إلى مدين. وعن السدى أنه عليه السلام أخذ في بنيات الطريق فجاءه ملك على فرس بيده عنزة فلما رآه موسى عليه السلام سجد له أي خضع من الفرق، فقال: لا تسجد لي ولكن اتبعني فتبعه وانطلق حتى انتهى به إلى مدين..تفسير الآية رقم (23): {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)}{وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ} أي وصل إليه وورد. الورود عنى الدخول وعنى الشرب وليس شيء منهما مرادًا والمراد اء مدين بئر كانوا يسقون منها، فهو مجاز من إطلاق الحال وإرادة المحل {وَجَدَ عَلَيْهِ} أي فوق شفيره ومستقاه {أُمَّةً مّنَ الناس} أي جماعة كثيرة مختلفي الأصناف، ويشعر بالقيد الأول التنوين، وبالثاني من الناس لشموله للأصناف المختلفة وهي فائدة ذكره، وقيل فائدته تحقير أولئك الجماعة وأنهم لئام لا يعرفون بغير جنسهم أو محتاجون إلى بيان أنهم من البشر {يُسْقَوْنَ} الظاهر أنهم كانوا يسقون مواشي مختلفة الأنواع عنى أن منهم من كان يسقى إبلا ومنهم من كان يسقى غنمًا وهكذا، وتخصص سقيهم بنوع يحتاج إلى توقيف {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ} أي في مكان أسفل من مكانهم، وقيل من قربهم أو من سواهم أو مما يلي جهته إذا قدم عليهم وإلى هذا الأخير ذهب ابن عطية حيث قال: المعنى ووجد من الجهة التي وصل إليها قبل أن يصل إلى الأمة {امرأتين} اسم إحداهما قيل ليا وقيل عبرا وقيل شرفًا، واسم الأخرى قيل صفوريًا وقيل صفوراء وقيل صفيراء، وفي الكشاف صفيراء اسم الصغرى واسم الكبرى صفراء {تَذُودَانِ} كانتا تمنعان غنمهما عن الماء خوفًا من السقاة الأقوياء قاله ابن عباس وغيره، وقيل تمنعان غنمهما عن التقدم إلى البئر لئلا تختلط بغيرها. وحكى ذلك عن الزجاج. وقال قتادة: تمنعان الناس عن غنمهما. وقال الفراء: تحسبان غنمهما عن أن تتفرق، وفي جميع هذه الأقوال تصريح بأن المذود كان غنمًا، والظاهر أن ذلك عن توقيف،، وقيل تذودان عن وجوههما نظر الناظرين لتسترهما وهذا كما ترى. {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا} أي ما مخطوبكما ومطلوبكما مما أنتما عليه من التأخر والذود ولم لا تباشران السقي كغيركما؟ وأصل الخطب مصدر خطب عنى طلب ثم استعمل عنى المفعول. وفي سؤاله عليه السلام إياهما دليلعلى جواز مكالمة الأجنبية فيما يعني.وقرأ شمر {مَا خَطْبُكُمَا} بكسر الخاء، قال في البحر: أي من زوجكما؟ ولم لا يسقى هو؟. وهذه قراءة شاذة نادشة اه. ولا يخفى ما فيه وإباء الجواب عنه. وقال بعضهم: الخطب فيها عنى المخطوب والمطلوب كما في القراءة المتواترة، ونظيره الحب بكسر الحال المهملة عنى المحبوب {قَالَتَا لاَ نَسْقِى حتى يُصْدِرَ الرعاء}.أي عادتنا أن لا نسقي حتى يصرف الرعاة مواشيهم بعد ريها عن الماء عجزًا عن مساجلتهم لا أنا لا نسقي اليوم إلى تلك الغاية. وقرأ ابن مصرف {لاَ نَسْقِى} نضم النون من الاسقاء. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، والحسن وقتادة، والعربيان: ابن عامر، وأبو عمرو {يُصْدِرَ} بفتح الياء وضم الدال أي حتى يصدر الرعاة بأغنامهم.وسأل بعض الملوك عن الفرق بين القراءتين من حيث المعنى. فأجيب بأن قراءة يصدر بفتح الياء تدل على فرط حيائهما وتواريهما من الاختلاط بالأجانب. وقراءة يصدر بضم الياء تدل على إصدار الرعاة المواشي ولم يفهم منها صدورهم عن الماء. وقرئ بزاي خالصة وبحرف بين الصاد والزاي. وقرئ الرعاء بضم الراء والمعروف في صيغ الجمال فعال بكسر الفاء كما في قراءة الجمهور، وأما فعال بالضم فعلى خلاف القياس لأنه من أبنية المصادر والمفردات كنباح وصراخ، وإذا استعملفي معنى الجمع كما في القراءة الشاذة فقيل هو اسم جمع لا جمع وقيل إنه جمع أصلى وقيل إنه جمع ولكن الأصل فيه الكسر، والضم فيه بدل من الكسر كما أنه بدل من الفتخ في نحو سكارى، والوارد منه في كلام العرب ألفاظ محصورة ذكرها الخفاجي في شرح درة الغواص والمشهور منها على ما قال ثمانية، وقد نظمها صدر الأفاضل لا الزمخشري على الأصح بقوله:هي جمع وهي في الوزن فعال فرباب وفرار وتؤام، وعرام وعراق ورخال وظؤار جمع ظئر وبساط جمع بسط هكذا فيما يقال وذهب أبو حيان إلى أن الرعاء في قراءة الجمهور ليس بقياس أيضًا قال: لأنه جمع راع وقياس فاعل الصفة التي للعاقل أن تكسر على فعلة كفاض وقضاة وما سوى جمعه هذا فليس بقياس، وقرأ عياش عن أبي عمرو الرعاء بفتح الراء وهو مصدر أقيم مقام الصفة فاستوى لفظ الواحد والجماعة فيه، وجوز أن يكون مما حذف منه المضاف أي أهل الرعاء {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} ابداء منهما للعذر له عليه السلام في توليهما للسقى بأنفسهما كأنهما قالتا: إنا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مساجلة الرجال ومزاحمتهم وما لنا رجل يقوم بذلك وأبونا شيخ كبير السن قد أضعفه الكبر فلابد لنا من تأخير السقي إلى أن يقضي الناس أوطارهم من الماء، وذكر بعضهم أنه عليه السلام أخرج السؤال على ما يقتضيه كرمه ورحمته بالضعفاء حيث سألهما عن مطلوبهما من التأخر والذود قصدًا لأن يجاب بطلب المعونة إلا أنهما لجلالة قدرهما حملتا قوله على ما يجاب عنه بالسبب وفي ضمنه طلب المعونة لأن إظهارهما العجز ليس إلا لذلك، وقيل: ليس في الكلام ما يدل على ضعفهما بل فيه أمارات على حيائهما وسترهما ولو أرادتا إظهار العجز لقالتا لا نقدر على السقي ومعنى وأبونا شيخ كبير أنا مع حيائنا إنما تصدينا لهذا الأمر لكبره وضعفه وإلا كان عليه أن يتولاه، ولعل الأولى أن يقال: إنهما أرادتا إظهار العجز عن المساجلة للضعف ولما جبلا عليه من الحيء، والكلام وإن لم يكن فيه ما يدل على ضعفهما فيه ما يشير إليه لمن له قلب، ويفهم من بيان معنى جوابهما المارآنفًا أن جملة أبونا شيخ كبير عطف على مقدر، وجوز أن تكون حالًا أي نترك السقي حتى يصدر الرعاء والحال أبونا شيخ كبير وأبوهما عند أكثر المفسرين شعيب عليه السلام.{فَانٍ قِيلَ} كيف ساغ لبني الله تعالى أن يرضى لابنتيه بسقي الغنم. فالجواب: أن الأمر في نفسه ليس حظور فالدين لا يأباه، وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك والعادات متباينة فيه وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر خصوصًا إذا كانت الحال حال ضرورة، وذهب جماعة إلى أنه ليس بشعيب عليه السلام فأخرج سعيد بن منصور. وابن أبي شيبة. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة أنه قال كان صاحب موسى عليه السلام اثرون بن أخي شعيب النبي عليه السلام، وحكى هذا القول عنه أبو حيان أيضًا إلا أنه ذكر هارون بدل أثرون وحكاه أيضًا عن الحسن إلا أنه رذكر بدله مروان، وحكى الطبرسي عن وهب وسعيد بن جبير نحو ما حكاه أبو حيان عن أبي عبيدة، وأخرج ابن المنذر عن ابن مجريج أنه قال بلغني أن أبا الأمرأتين ابن أخي شعيب واسمه رعاويل وقد أخبرني من أصدق أن اسمه في الكتاب يثرون كاهن مدين والكاهن حبر، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال الذي استأجر موسى عليه السلام يثرب صاحب مدين، وجاء في رواية أخرى عنه أن اسمه يثرون وهو موافق لما نقل عن الكتاب من الاسم ولم يذكر في هاتين الروايتين نسبته إلى شعيب عليه السلام فيحتمل أن المسمى بما فيها ابن أخيه ويحتمل أنه رجل أجنبي عنه فقد قيل: أن أباهما ليس ذا قرابة من شعيب عليه السلام وإنما هو رجل صالح، وحكى الطبرسي عن بعضهم أن يثرون اسم شعيب وقد أخبرني بعض أهل الكتاب بذلك أيضًا إلا أنه قال هو عندنا يثرون بدون نون في آخره والذي رأيته أنا في الفصل الثاني من السفر الثاتي من توراتهم ما ترجمته ولما سمع فرعون بهذا الخبر أي خبر القتل طلب أن يقتل موسى فهرب موسى من بين يديه وصار إلى بلد مدين وجلس على بئر ماء وكان لإمام مدين سبع بنات فجاءت ودلت وملأت الأحواض لسقي غنم أبيهن فلما جاء الرعاة فطرد وهن قام موسى فأغاثهن وسقى غنمهن فلما جئن إلى رعوايل أبيهن قال ما بالكن أسرعتن المجيء اليوم إلخ، وقد أول الفصل الثالث منه ما ترجمته وكان موسى يرعى غنم يثرو حمية أمام مدين إلخ فلا تغفل، وفي البحر عند الكلام في تفسير {إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ} [القصص: 25] قيل: كان عمها صاحب الغنم وهو المزوج عبرت عنه بالأب إذ كان ثابته والظاهر أن هذا القائل يقول: إنهما عنتها بالأب هنا العم، وأنت تعلم أن هذا وأمثاله مما تقدم مما لا يقال من قبل الرأي فالمدار في قبول شيء من ذلك خبر يعول عليه والأخبار التي وقفنا عليها في هذا المطلب مختلفة ولم يتميز عندنا ما هو إلا رجح فيما بينها وكأني بك تعول على المشهور الذي عليه أكثر المفسرين وهو أن أباهما على الحقيقة شعيب عليه السلام إلى أن يظهر لك ما يوجب العدول عنه.
|